إن أهمية الموازنة التقديرية تصل إلى ذروتها في المؤسسات التي تعمل في نظام اقتصادي مخطط، وذلك لكون الموازنات التقديرية توضح كيفية الحصول على الموارد الاقتصادية مستقبلاً، وكيفية استخدامها، بما يخدم تنفيذ أهداف استراتيجية بشكل مسبق، من خلال تقديم وظائف تتمثل في التخطيط، والرقابة، والتنسيق، والاتصال وغيرها، ويظهر حسن استخدام الموازنات من خلال إعدادها على مبادئ علمية، وتعتبر هذه المبادئ أسس إرشادية. وللإلمام بالموضوع بشكل كافي سيتم التطرق في هذا الفصل إلى الموازنات التقليدية من خلال عرض نشأتها، ومبادئها، وأهميتها، كما سيتم التطرق إلى مراحل تطور الموازنة منذ بدايتها إلى الآن، والتي كانت في كل تطور يطرأ عليها يتم فيه طرح نوع جديد من الموازنات. كما نحاول التطرق إلى نشأة كل بديل من البدائل، مع التعريج في الذكر على مبادئه، وخطوات تنفيذه، بالإضافة إلى أهم المميزات التي يتمتع بها هذا البديل، ثم شرح عيوب كل نوع من الأنواع، وذلك من خلال الأدبيات المحاسبية التي تناولت الموضوع.
ماهية الموازنات التقليدية:
ان فكرة إعداد الموازنات معروفة منذ القدم، وان القرآن الكريم أول من أشار إلى مفهوم الموازنة من خلال ذكر قصة نبي الله يوسف – عليه السلام -، فقد كانت فكرته التي عرضها على ملك مصر، بأن يضع تقنيناً أشار به في استهلاك الغلال خلال السنوات السمان حتى تنتهي السنوات العجاف، حيث أصبحت هذه الفكرة فيما بعد، والتي أشار إليها القرآن الكريم درساً وعلماً، يستفاد منه في عمل الموازنات بكافة أشكالها وأنواعها، وكذلك كانت محوراً أساسياً لعلم الاقتصاد. ويتضح ذلك من قوله تعالى في سورة يوسف الآيات (من47 إلى49): (قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُون (47) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ((49).
و أن الحكومات المركزية كانت تُعد الموازنات، عن طريق تقدير نفقاتها وإيراداتها المختلفة المتوقعة، وامتدت الفكرة بعد ذلك إلى المشروعات الاقتصادية، وكانت الموازنة في الماضي، تعبر عن الإيرادات والمصروفات للأنشطة الاقتصادية، وكذلك العمليات الخاصة بصاحب المشروع، ولكن عندما تطورت المشروعات وانفصلت الإدارة عن الملكية، وطبقت الموازنة على الأنشطة الاقتصادية، وترتب على ذلك كبر حجم المشروع وتعقيده، الأمر الذي دعا إلى اهتمام أكبر بالموازنة، حتى تتمكن الإدارة من تحقيق الرقابة، واتخاذ القرارات المناسبة.
من البداية!
في البداية استخدم الرومان سلة منسوجة كان يطلق عليها(fiscus)؛ لعملية جمع الضرائب، ثم استخدام الاسم لاحقاً للدلالة على الخزانة، حيث درج استخدام هذا الاسم مع بداية العصور الوسطى، وكان المسؤول عن المالية يعرف (fisc)، وبشكل مشابه من الكلمة اللاتينية انتفاخ(bulga)، جاءت باللغة الفرنسية القديمة الكلمة (bouge)، والتي تعني حقيبة، أو(bougette)، واستمر استخدام هذا المصطلح في الوقت ما بين (1400و1450)، حيث أصبحت الكلمة(bougett)، كلمة أساسية في اللغة الإنجليزية، وهي تعني حقيبة جلدية، أو حقيبة. في أوائل القرن الثامن عشر، كانت خطط الإنفاق التي يقدمها وزراء الملك إلى البرلمان تسمى بيانات، أو جداول الحسابات، وتسمى الحقيبة الجلدية التي تنقل فيها خطط الإنفاق بالموازنة budget))، وبحلول عام (1800)، كان هذا اللفظ مقبولاً في إنجلترا للدلالة على الموازنة بدلاً من الحقيبة نفسها ((History of Budgeting,1998.
البدايات الأولى لظهور الموازنات كان في القرن السابع عشر، وذلك كانعكاس لإصدار البرلمان الإنجليزي سنة (1628) م، ما يعرف بميثاق الحقوق (Petition of rights )، الذي صرح بضرورة موافقة البرلمان عند فرض الضرائب، ثم متابعة إنفاقها، وأخذ هذا الخط في الاتساع ليشمل مناقشة النفقات العامة بمختلف أنواعها، ثم ليصبح للبرلمان حق اعتماد نفقات الحكومة وإيراداتها قبل بداية كل عام، ومناقشة، ومتابعة تنفيذ هذه النفقات بعد نهاية العام.
أما في فرنسا فقد أصدرت الجمعية الوطنية التأسيسية سنة (1789)، قراراً بعدم مشروعية إصدار الضرائب إلا بإذن منها، ويمكن القول بأن مفهوم الموازنة أخذ بالتطور بعد ذلك لدى الفرنسيين، وجعلوا له قواعد أساسية متعارف عليها إلى اليوم، مثل قاعدة المساواة، والشمول، والسنوية، وقاعدة الوحدة.
أما على المستوى العربي، يذكر أن المؤتمر العربي الخامس للعلوم الإدارية المنعقد في الكويت في كانون الثاني سنة(1969) ، اتخذ قراراً أوصى بموجبه باستخدام مصطلح الموازنة العامة للتعبير عن الموازنة التقديرية، و ان أسلوب الموازنة التقديرية قد مر بأربع مراحل، حيث أنه في المرحلة الأولى، كانت الموازنة التقديرية عبارة عن تجميع للموارد المطلوبة لتنفيذ برنامج معين، و في المرحلة الثانية يتم فيها تحديد توقيت زمني للاحتياجات، أما في المرحلة الثالثة، أصبحت الموازنة التقديرية تستخدم التكاليف المعيارية لتحقيق الرقابة، في حين أن المرحلة الرابعة والأخيرة، هي المرحلة التي أصبحت فيها الموازنة التقديرية تستخدم كوسيلة فعالة للتخطيط والرقابة والتنسيق.
في ليبيا فقد مرت الموازنة بعدة تطورات ومسميات منذ أن تم تنفيذ أول موازنة في نهاية الخمسينات من القرن الماضي، حيث كانت تقتصر في بداية عهدها على تغطية النفقات الحكومية، ولذلك سميت بالموازنة الإدارية، كما سميت أيضاً بالموازنة التسيرية، وفي بداية السبعينات صدر قانون التخطيط، والتي طبقت بموجبه موازنة التنمية والتي عرفت أحياناً بموازنة التحول، و استمر استخدام موازنة التسيير والموازنة، حيث كان يتم إعدادها في وثائق منفصلة حتى أواخر الثمانينات، وأوائل التسعينات، حيث اُستخدم مفهوم الموازنة العامة أو الموازنة الموحدة.
ماذا عن بلدانكم؟
يتبع بعون الله.....
تعليقات
إرسال تعليق