التخطي إلى المحتوى الرئيسي

شهيتك للمخاطرة وسياسة تخصيص الأصول الاستراتيجي



شهيتك للمخاطرة وسياسة تخصيص الأصول الاستراتيجي

مقدمة :

 ينقسمُ المستثمرونَ إلى عدةِ أنواعٍ، منهم من يعشقُ المخاطرةَ، ومنهم من يتشدد في تحفظهِ خوفاً من الخسارة، بينما يمتازُ البعضُ الآخرُ بالتعقلِ والاتزان في قراراتهِ الاستثمارية، كذلكَ الحالُ بالنسبةِ للأصولِ الاستثمارية، إذ أن مخاطرها تختلفُ من أصلٍ إلى آخر، كما تختلفُ أيضا عوائدها. و تأخذ هذهِ الأصولُ أشكالاً مختلفةً، فمنها ما هو التزامٌ مالي كالسندات المالية، ومنها ما هو أصل مالي كالأسهم، بينما قد يمثل البعض الأخر أصولاً ثابتةً كالعقارات، وغيرها من أشكال الأصول الاستثمارية الأخرى.
ونتيجةً لاختلافِ كلٍ من شهيةِ المستثمرينَ للمخاطرة، ونوعيةِ الأصول، فإن هذا المقال يحاول توضيحَ إحدى السياساتِ التي يتبعها المستثمرون في إدارة استثماراتهم.

تخصيص الأصول الاستراتيجي:

هي استراتيجيةٌ لإدارة المحافظ الاستثماريةِ التي تحتوي على فئاتٍ مختلفةٍ من الأصول (أسهم، سندات، عقارات... الخ). تقومُ هذه الاستراتيجيةُ على الحفاظِ على التوازنِ بين نسبِ الأصولِ الاستثماريةِ في المحفظةِ الواحدةِ، وذلكَ بناءً على رغبةِ المستثمرينَ في ذلك. غالباً وكنتيجةٍ لاختلافِ العوائدِ المحققةِ من هذه الأصول، فإن نسبَ الأصولِ المستثمرِ بها قد تبتعدُ كثيراً عما كانت النسبُ عليه في بداية عمليةِ الاستثمار، مما يعني ضرورة التدخلِ لإعادةِ التوازنِ إلى هذه النسب.
إن استراتيجيةَ تخصيصِ الأصولِ هي استراتيجيةٌ تعتمدُ على عددٍ من العوامل، مثل شهيةِ المستثمرين للمخاطر، ومدى تقبلهم لها، والنظرةُ المستقبليةُ للاستثمارِ في هذه الأصول، إضافةً إلى الأهدافِ الاستثماريةِ لهم والتي قد تتغيرُ مع مرورِ الوقت.
مع هذا فإنهُ يجدرُ الإشارةُ إلى أن إستراتيجيةَ تخصيصِ الأصولِ تتماشى مع إستراتيجيةِ (اشترِ واحتفظ)، لكنها تتناقضُ مع تكتيكِ تخصيصِ الأصول، والذي يناسب المستثمرين ذوي النشاط التداولي الدائم. إذ أن استراتيجية تخصيصِ الأصولِ تعتبرُ بشكل عام الأنسب للمستثمر المتحفظ الذي لا يحبذ المخاطرة، حيث يقوم بشراء أصولٍ معينةٍ كالسندات، ويحتفظ بها وبأرباحها، أي لا يقومُ بتداولها في السوق مع تقلبِ أسعارها. أما تكتيك تخصيصِ الأصولِ فهو يناسبُ المستثمرينَ الناشطين في السوق، والذين يتبعونَ سياسةَ المراهنةِ على حركةِ السوق من خلال شراءِ أصولٍ معينة، وترقبِ ارتفاعِ أسعارها من أجلِ تحقيقِ الأرباح. مع هذا فإن كلاً الطريقتين تقومانِ على نظريةِ إدارةِ المحافظِ الاستثمارية الحديثة، والتي تعتمد على مبدأ تنويعِ الاستثمارات في المحفظة، وذلك لتخفيض المخاطر الاستثمارية، وتحسين العوائد الاستثمارية.

 ولتبسيطِ مصطلحِ تخصيصِ الأصول الاستراتيجي سنقوم بطرح المثال التالي :

السيدة سميث، والتي ستتقاعدُ بعدَ خمسِ سنوات، تتبعُ نهجاً متحفظاً في الاستثمار، ولذلك فإنها لجأت لاستخدامِ مبدأ توزيعِ الأصولِ الاستراتيجي، وذلك بتحديدِ النسبِ التالية كتخصيص للأصولِ الموجودة في محفظتها الاستثمارية  (40% أسهم، 40٪ سندات (بوند) ،20٪ نقد – وديعة عند البنك). لنفترض أن محفظةً السيدة سميث كانت بقيمةِ 500 ألف دولار أمريكي، وأن عملية إعادةِ التوازنِ لمحفظتها الاستثمارية تتم في نهايةِ كل عام، لذلكَ فإن توزيعَ الأصولِ حسبَ التوزيعِ المستهدف الذي ترغب به سيكون كالآتي ( الأسهم 200 ألف دولار، السندات 200 ألف دولار، والنقد 100 ألف دولار).
بعد مرورِ عام، وجدت السيدة سميث بأن الأسهمَ في محفظتها ولّدت عوائدَ إجمالية بنسبةِ 10%، في حين أنّ السنداتِ قد حققت عوائد بنسبةِ 5%، أما الأصولُ النقديةُ فقد حققت فوائد (ربا) بنسبة 2%.  وبهذا فإن تكوين محفظتها صارَ كالتالي - الأسهم 220ألف دولار، السندات 210 ألف دولار، والوديعة البنكية (الربوية) 102 ألف دولار.
أي أن قيمةَ المحفظةِ صارت 532 ألف دولار، مما يعني أن العائدَ الكلي على المحفظةِ خلال العامِ الماضي كان 6.4 %، وأصبحَ  تكوينُ المحفظةِ الآن ( الأسهم 41.3%، السندات 39.5%، والنقد 19.2%).
هنا يأتي أساسُ موضوعنا، فنتيجةً للسياسةِ التي تتبعها السيدة سميث، يجبُ القيام بإعادة نسب الأصول الاستثمارية إلى النسب القديمة التي حددتها عند بداية الاستثمار وقت تخصيص الأصول، وبالتالي ينبغي إعادةُ تخصيصِ قيمةِ المحفظةِ الحالية ( 532000 $) على النحوِ التالي:
الأسهم 212.800 $، السندات 212.800 دولار، والوديعة البنكية (الربوية) 106.400$.

الجدول أدناه يبينُ التعديلات التي يجبُ إدخالها على كل فئةٍ من فئات الأصول للرجوعِ إلى مستوى التخصيصِ الأصلي.
تصنيف الأصول
التخصيص المستهدف
الكمية المستهدفة
(A)
القيمة الحالية
(B)
التسوية
(A) - (B)
الأسهم
40%
212,800$
220,000$
(7,200$)
السندات
40%
212,800$
210,000$
2,800$
النقدية
20%
106,400$
102,000$
4,400$
الإجمالي
100%
532,000$
532,000$
0$


وبالتالي، فإن ما قيمتهُ (7,200 $) من الأسهمِ في محفظتها يجبُ بيعه، وذلك لإعادة الأسهم إلى نسبتها الأصلية 40٪،  إضافة إلى شراء 2,800 $ من السندات حتى تعود إلى ما نسبته 40%، وإيداع مبلغ 4,400 $ في الوديعة البنكية الربوية لتشكل 20% من قيمة محفظتها، وبهذا يكون التوازن قد عاد إلى محفظتها.
يجب التنويه إلى أن تغير التخصيصاتِ (النسبَ) المستهدفة في المحفظة يمكنُ القيامُ به في أي وقت. في هذه الحالة، السيدة سميث تستطيعُ تغييرَ تخصيصاتها في الخمسِ سنوات (عندما تكون على وشك التقاعد) إلى  20٪ الأسهم، 60٪ سندات مالية، و 20٪ وديعة في البنك (الربوي) وذلك للحد من مخاطر المحفظة. اعتمادا على قيمة المحفظة في ذلك الوقت.

ملاحظة المدقق: هذا النوع من الاستثمارات في النهاية يعتمدُ على شهيةِ المستثمر للمخاطرة، إذ بناءً على شهيتهِ سيتم تحديدُ نسب الاستثمارات في كل أًصل من الأصول. فإن كان المستثمر متحفظاً فإنّ السنداتِ المالية، والودائع البنكية ستحتل الجزءَ الأكبر من محفظتهِ الاستثمارية، أما إن كان المستثمر محباً لتحملِ المخاطرِ والمغامرة، فإنّ معظمَ استثماراتهِ ستكونُ في الأسهم أو السنداتِ ذاتِ المخاطرِ العالية. إن المستثمر هوَ من يحددُ شكلَ محفظتهِ الاستثمارية، ونوعَ وشكلَ المخاطرِ التي يود الاسثتمار بها، وذلكَ بناءً على عواملَ مختلفة كالعمر، والعائد المتوقع من الاستثمار وحالةِ السوقِ وغيرها من المؤثراتِ الأخرى.



 المصادر




ترجمة :أحمد المفعلاني 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سياسة تقسيم السوق والأسواق المستهدفة

  يُعتبر تقسيم السوق من المفاهيم الحديثة في عمليةِ   إدارة التسويق ،   حيث أن المنظمات كانت تركز في السابق على إنتاج منتج واحدٍ  فقط بكمياتٍ كبيرةٍ ، يصحب ذلك كثافةُ في عمليات التوزيع، والإعلان عن المنتج ، ولقد كان هذا يؤدى إلى أن تكون تكلفة المنتج أقل!، وبالتالي سعر أقل، وبذلك يمكن خلق سوق كبير للسلعة، ولكن بزيادة المنافسة، وانخفاض الأسعار أدت هذه الأسباب  إلى انخفاض الإيرادات، والأرباح للعديد من المنظمات  نتيجة  لعدم القدرة على تثبيت السعر في ظل تواجد منتجات متشابهة، أو بديلة، والتي قد تكون بأسعار اقل، وبنفس الجودةِ، ونتيجة لما سبق بدأ بعض المنتجين يهتمون بتقديم سلع ذات مواصفات متميزة، ومتنوعة مثل الجودة، والذوق، والموديل ... ترتب على ذلك زيادة في تنويع السلع، والموديلات، وخصائص السلع، ولم يكن الهدف من ذلك هو تقديم أشكال مختلفة من المنتج، ولكن كانت الفكرة هي تمييز حاجات، ورغبات المستهلكين، ومحاولةِ إشباعها عن طريق السلع، أو الخدمات التي تتناسبُ وقطاعات معينة من هؤلاء المستهلكين. وكنتيجة للاختلاف بين مجموعات المستهلكين طبقا للعديد من المؤشرات الجغرافية، واختلاف دوافع الشراء م

ثلاث أمثلة حقيقة عن سلسلة بونزي

                   ثلاث أمثلة حقيقة عن سلسلة بونزي ما دعاني لكتابة هذه المقالة عن سلسلة بونزي هي الإغراءات المتكررة التي قد يصادفها الشخص من قبل تلك الإعلانات المهولة على شبكات الانترنت بل وبعض محطات التلفزة والوسائل المسموعة المقروءة والمرئية  وسنتذاكر في هذا المقال اشهر الحالات العالمية والعربية وهيَّ على سبيل الذكر لا الحصر.  إن بونزي هو مهاجر إيطالي ولد في 1882، حيث ارتبط لقب بونزي بمخططات الاحتيال في العالم كافة، على الرغم من أنه لم يكن أول من ابتكر المخطط، وتحول لقب بونزي إلى تسمية حمَلها عدد كبير جداً من الأشخاص في العالم ، حيث تُطلق عبارةُ: "مخطط بونزي  "Ponzi scheme" على كل عملية نصب أو احتيال بصفة عامة ، وبصفة خاصة على عمليات الاستثمار التي يتم دفع عوائد للمستثمرين القدامى من خلال استثمارات المستثمرين الجدد، وهو ما يطلق عليه المخطط الهرمي ! كيف يعمل مخطط بونزي ؟ تشير الدراسات المتاحة إلى أن عناصر الوهم الأساسية التي يبتكرها بونزي لا بد أن تحتوي على مزيج من الآتي :  يقدم بونزي نموذج استثمار بسيط جدا، أو سهل التصديق، خصوصا أن بونز

عشر خيانات لبيت الاسد

عشر خيانات لبيت الاسد لم تعرف سورية سواء بتاريخها القديم الذي يمتد على مدى 9000 عام - سبعة منها قبل الميلاد و اثنان بعده-  و لا في التاريخ الحديث عائلة أخس، و أنذل من هذه العائلة التي رأت في هذه البلد مزرعة لها تصنع بها ما تشاء، أو  ما يحلو لها . منذ عام و أنا منكب على تاليف كتاب حول تاريخ سورية الحديث، واغوص بين طيات الكتب باحثا عن مصادر المعلومات  بمختلف لغاتها، والقلب بيكي على ما كنا فيه من زيف، وكذب، وغشاوة على العيون. فإجرام هذه العائلة فاق كل حد وكل تصور، ولم استطع الصبر  حتى انشر الكتاب ووجدتني  اكتب هذا المقال مستعجلا ذلك، ولكن حروفهم العشرة الاف جبرتني ان اختزل الكثير من الشهادات والادلة والبراهين . ولعلي افرد لكل واحدة منها في قادم الايام مقال مستقلاً. كانت بداية قشع الغمامة مع استاذا دمشقي جليل حولني من الظلال الى الهدى ومن الظلام الى النور في نهاية عام 2007 عندما اهداني كتاب باترك سيل (الاسد والصراع على السلطة)، وقد كان يرى فيا المدافع عن البعث والمغيب عن الواقع ، المنساق وراء الشعارات الزائفة والكاذبة، من مقاومة وممانعة ، لاكتشف متأخرا ان هذه البلد لايحكمه